زيكو المندائي
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
زيكو المندائي
جمعتني وأحد الأخوة الأدباء البحرانيين جلسة أدبية دعاني لها حين كنت في زيارة قصيرة الى البحرين. وقد أحاطني بحفاوة أعتز بها تقتضي الإشادة. ودارت أحاديثنا في ميادين الأدب على تنوعها، استمرت حتى إستقرت في موضوع طريف ومفيد وجدت أن علي تثبيت جوانب قيمة مما دار فيه. فقد وجدت في زميلي حبا للغة العامية العراقية وتتبعا طريفا لمفرداتها بعد أن دار حديثنا في كيفية نحت بعض المفردات في اللغة العربية واستخدامها إستخدامات متعددة في البلدان العربية. ومع ذلك فان هنالك العديد من هذه المفردات مما لا أصل له في العربية على الرغم من أنه سائد الإستخدام في الكلام المحكي. ودار الحديث والنقاش في أصول هذه المفردات وبخاصة الشائع منها والذي صارت اللغة العامية لكل بلد فيه تعرف به. فكلمة " يلهوي" من مصر وكلمة " يازول" من السودان، وكلمة " يكعمز" من ليبيا، وكلمة" برشا " من تونس، وكلمة " أكو، ماكو" من العراق ... وهكذا. ووجدت مضيفي يُقدم على ذكر المفردات في اللغة العامية العراقية بشكل كبير، فهو يحفظ العشرات منها على الرغم من أنه لا يستخدمها في لغته المحكية. ودار الحديث في أصول هذه المفردات. وبعزلها عن أنها دخيلة من لغات بلدان الجوار، فإن وجودها إذن من لغات شعوب هذه البلدان قبل دخول اللغة العربية إليها. ومعلوم أن شعوب بلداننا العربية كان لها لسانها ولغاتها التي ترك وبلي بعضها بدخول اللسان العربي. وإذ بقى لسان البعض يحكي لغته السابقة كما في اللغة السريانية واللغة الأمازيغية، فإن الغالبية قد إعتمدت العربية بعد أن صارت هي اللغة الأم في هذه البلدان. ولكن سيادة اللغة العربية لم تقض على كامل لغات الشعوب التي كانت سائدة، وظلت رواسبها اللغوية متمثلة بمفردات وصيغ معروفة ومحكية في اللغة العامية تناقلوها توارثا دون أن يكون لها أساس في اللغة العربية. وكانت لنا إستشهادات وتدليلات من بقايا اللغة السومرية والأكدية في لغة العراق العامية. فكم نعرف من هذه المفردات على الرغم مما دونته بعض الكتب في رد مفردات العامية العراقية الى أصول لغاتها؟
لقد تفاجأت وأنا العراقي بأن مضيفي البحراني يسهب في إرجاع أصول هذه المفردت، ووجدت في إيراده الأمثلة سحبي الى معانيها الأصلية كونه يعرف أن ميداني في اللغة العربية يحتم معرفة أصول اللغة العربية والتمييز فيها بين ما هو عامي وفصيح. ولأني أعرف أن العلامة أنستاس الكرملي قد خدم في هذا الباب وتابع المتابعة الحسنة وأخرج التخريجات البينة، كما أن الشيخ جلال الحنفي قد سعى في ذلك أيما مسعى فيما كتب في كتابه معجم اللغة العامية البغدادية وإن كان عمله قد تحدد بثلاثة أجزاء دون أن يشمل جميع المفردات، فقد وجدت زميلي يوقفني على أن هنالك الكثير من المفردات التي ذكرت حتى من قبل هذين المبرزين بقت قاصرة ولم تدخل في عمق المفردة أو تأصيلها الدقيق. وكانت له أمثلة في ذلك منها كلمة " مسودن" التي يستخدمها العراقيون بمعنى " مجنون"، وكلمة " راشدي" التي تعني الضرب بالكف، وكلمة " جلاق" التي تعني الضرب بالقدم على الأست، وكلمة " جحيل" التي تعني بارد قارص جامد، وكلمة " زعطوط " التي تعني صغير أو جاهل والـ " جا واللعد و يمعود و هم زين"... وهكذا صرنا نعدد الكلمات التي كان بعضها طريف جدا، حتى جاوزنا العشرات، ثم أوصلني الى ما يتردد غناء في بعض المفردات التي نطرب لها ونرددها لازمة غناية بل ويرقص الكثير على أنغامها ولحنها دون أن تكون معروفة المعنى، أو أن الناس قد درجوا عليها كما هي.. ومن ذاك لازمة " ياعين موليتين" و " عالمير وعالميمر" و " هوّر يابو الهوارة " وكلمة " الجوبي" للرقصة العراقية الشهيرة.
لقد سررت تماما بهذه المعرفة الغزيرة لدى زميلي، وقلت في نفسي: الحق أن علينا متابعة أصول هذه المفردات بشكل دقيق خاصة بعد أن أظهرني على أن بعض المفردات لم تشرح بشكل دقيق من قبل من كتب بأسباب أن التتبع يتطلب المعرفة بكل لغات بلاد ما بين النهرين التي كانت سائدة. وحين وجدني زميلي غارقا في تأمل ذلك، قام الى مكتبته وأخرج لي منها كتابا وذكر لي بأنه قد تابع جل هذه المفردات من هذا الكتاب. قدمه لي، تفحصته وتصفحته بدءً من عنوانه الذي جذبني " معجم المفردات المندائية في العامية العراقية " لمؤلفه الدكتور قيس مغشغش السعدي. أعرف الجذر الأصيل للصابئة المندائيين في بلاد النهرين وأعرف أن لهم لغتهم التي هي فرع من اللغة الآرامية، لكني، والحق أقول، لست مطلعا على هذه اللغة في مفرداتها أو قواعدها وصياغاتها اللغوية.
لقد أعجبني الكتاب في أناقة طباعته وحسن تصنيفه، ثم فيما إستعرضته سريعا من محتوى يتقدمه تعريف باللغة المندائية وأبجديتها، حتى وصلنا المعجم بكلماته التي أتقن المؤلف التصنيف فيها من حيث تجزئة الكلمة فيما يرد بالعامية العراقية وما يقابله باللغة المندائية ومعنى الكلمة باللغة الإنكليزية، والأهم هو كيفية ورودها واستخداماتها في العامية العراقية مقروننا بأمثلة أو شعر عامي. إستحسنت الكتاب كثيرا وسألت كيف لزميلي وهو من البحرين قد حصل عليه دون أن يكون لي علم به. أخبرني بأن حبه للعامية العراقية كان وراء متابعته لما يكتب فيها فحصل على هذا الكتاب الذي صدر في 2008. وربما أنه لم يصل الى المكتبات العراقية والعربية لأن صدوره كان في ألمانيا. وقد سرني زميلي بأنه أفاد من أصول هذه الكلمات في معرفة بعض من المستخدم في العامية البحرانية بما جعله يوضح لزملائه أصولها التي لم يكونوا قد وقفوا عليها.
ودعت زميلي بعد أن شكرته على حسن ضيافته، وكرمه في أن أوقفني على بعض تراثي اللغوي على كثرة معرفتي به. وما أن عدت حتى خاطبت مؤلف المعجم الدكتور السعدي الذي ظهر لي فيما قرأت له بأنه من أعلام المندا، فاستجاب مشكورا بتزويدي بنسخة من الكتاب. قرأته في يومين رغم أن عدد صفحاته كانت 447 صفحة. أفدت منه غاية الإفادة ليس من حيث المفردات التي وصلت الى ما يزيد عن 1250 مفردة بتفاصيلها، بل وفي جوانب تقارب اللفظ والصرف والنحو. وإذ يتميز الحرف العربي، من بين حروف اللغات السامية، بالمرونة وقدرة التشكيل، فقد وجدت في ما أقدم عليه المؤلف من تدليل بالأمثلة على ما لأبجدية اللغة المندائية في هذا المجال ما يجعلنا نقر بأن الأمر ليس حكرا على الخط العربي وحسب، بل أن الخط المندائي له هذه الخاصية فيما يمكن أن يكون فنا تشكيليا أيضا. أنهيت الكتاب وأنا أردد " جزاك الله خيرا يا صاحب المعجم".
وقد أوجب علي هذا الكتاب التنويه فيما حوى من ذكر وتحليل ومتابعة لثروة من ثروات العراق، وأجد أننا مثلما نتابع آثارنا ونجمعها من كل مكان، فإن علينا أن نجمع تراثنا اللغوي ونظهر منابعه وأصالته، فتفك عجمة الإستخدام مع أن لغتنا العربية، التي نعتز بها، قد إحتوت كل ذلك وزادت في كل ما عرفت به العربية مما يزيد على البيان والتعديد. وأرى أن على التوجهات الجديدة في العراق التي تسعى حرصا على تراثه وأبنائه، على تنوع أديانهم وقومياتهم، أن تكرم الباحثين من أبناء هذه المكونات الذين كانوا أمينين مخلصين فيما قدموا للعراق من جوانب التميز ومازالوا كذلك حتى في ميدان البحث وتدوين تراثهم الذي هو تراث عراقي أصيل يجب أن لا نغفل عنه.
لقد تفاجأت وأنا العراقي بأن مضيفي البحراني يسهب في إرجاع أصول هذه المفردت، ووجدت في إيراده الأمثلة سحبي الى معانيها الأصلية كونه يعرف أن ميداني في اللغة العربية يحتم معرفة أصول اللغة العربية والتمييز فيها بين ما هو عامي وفصيح. ولأني أعرف أن العلامة أنستاس الكرملي قد خدم في هذا الباب وتابع المتابعة الحسنة وأخرج التخريجات البينة، كما أن الشيخ جلال الحنفي قد سعى في ذلك أيما مسعى فيما كتب في كتابه معجم اللغة العامية البغدادية وإن كان عمله قد تحدد بثلاثة أجزاء دون أن يشمل جميع المفردات، فقد وجدت زميلي يوقفني على أن هنالك الكثير من المفردات التي ذكرت حتى من قبل هذين المبرزين بقت قاصرة ولم تدخل في عمق المفردة أو تأصيلها الدقيق. وكانت له أمثلة في ذلك منها كلمة " مسودن" التي يستخدمها العراقيون بمعنى " مجنون"، وكلمة " راشدي" التي تعني الضرب بالكف، وكلمة " جلاق" التي تعني الضرب بالقدم على الأست، وكلمة " جحيل" التي تعني بارد قارص جامد، وكلمة " زعطوط " التي تعني صغير أو جاهل والـ " جا واللعد و يمعود و هم زين"... وهكذا صرنا نعدد الكلمات التي كان بعضها طريف جدا، حتى جاوزنا العشرات، ثم أوصلني الى ما يتردد غناء في بعض المفردات التي نطرب لها ونرددها لازمة غناية بل ويرقص الكثير على أنغامها ولحنها دون أن تكون معروفة المعنى، أو أن الناس قد درجوا عليها كما هي.. ومن ذاك لازمة " ياعين موليتين" و " عالمير وعالميمر" و " هوّر يابو الهوارة " وكلمة " الجوبي" للرقصة العراقية الشهيرة.
لقد سررت تماما بهذه المعرفة الغزيرة لدى زميلي، وقلت في نفسي: الحق أن علينا متابعة أصول هذه المفردات بشكل دقيق خاصة بعد أن أظهرني على أن بعض المفردات لم تشرح بشكل دقيق من قبل من كتب بأسباب أن التتبع يتطلب المعرفة بكل لغات بلاد ما بين النهرين التي كانت سائدة. وحين وجدني زميلي غارقا في تأمل ذلك، قام الى مكتبته وأخرج لي منها كتابا وذكر لي بأنه قد تابع جل هذه المفردات من هذا الكتاب. قدمه لي، تفحصته وتصفحته بدءً من عنوانه الذي جذبني " معجم المفردات المندائية في العامية العراقية " لمؤلفه الدكتور قيس مغشغش السعدي. أعرف الجذر الأصيل للصابئة المندائيين في بلاد النهرين وأعرف أن لهم لغتهم التي هي فرع من اللغة الآرامية، لكني، والحق أقول، لست مطلعا على هذه اللغة في مفرداتها أو قواعدها وصياغاتها اللغوية.
لقد أعجبني الكتاب في أناقة طباعته وحسن تصنيفه، ثم فيما إستعرضته سريعا من محتوى يتقدمه تعريف باللغة المندائية وأبجديتها، حتى وصلنا المعجم بكلماته التي أتقن المؤلف التصنيف فيها من حيث تجزئة الكلمة فيما يرد بالعامية العراقية وما يقابله باللغة المندائية ومعنى الكلمة باللغة الإنكليزية، والأهم هو كيفية ورودها واستخداماتها في العامية العراقية مقروننا بأمثلة أو شعر عامي. إستحسنت الكتاب كثيرا وسألت كيف لزميلي وهو من البحرين قد حصل عليه دون أن يكون لي علم به. أخبرني بأن حبه للعامية العراقية كان وراء متابعته لما يكتب فيها فحصل على هذا الكتاب الذي صدر في 2008. وربما أنه لم يصل الى المكتبات العراقية والعربية لأن صدوره كان في ألمانيا. وقد سرني زميلي بأنه أفاد من أصول هذه الكلمات في معرفة بعض من المستخدم في العامية البحرانية بما جعله يوضح لزملائه أصولها التي لم يكونوا قد وقفوا عليها.
ودعت زميلي بعد أن شكرته على حسن ضيافته، وكرمه في أن أوقفني على بعض تراثي اللغوي على كثرة معرفتي به. وما أن عدت حتى خاطبت مؤلف المعجم الدكتور السعدي الذي ظهر لي فيما قرأت له بأنه من أعلام المندا، فاستجاب مشكورا بتزويدي بنسخة من الكتاب. قرأته في يومين رغم أن عدد صفحاته كانت 447 صفحة. أفدت منه غاية الإفادة ليس من حيث المفردات التي وصلت الى ما يزيد عن 1250 مفردة بتفاصيلها، بل وفي جوانب تقارب اللفظ والصرف والنحو. وإذ يتميز الحرف العربي، من بين حروف اللغات السامية، بالمرونة وقدرة التشكيل، فقد وجدت في ما أقدم عليه المؤلف من تدليل بالأمثلة على ما لأبجدية اللغة المندائية في هذا المجال ما يجعلنا نقر بأن الأمر ليس حكرا على الخط العربي وحسب، بل أن الخط المندائي له هذه الخاصية فيما يمكن أن يكون فنا تشكيليا أيضا. أنهيت الكتاب وأنا أردد " جزاك الله خيرا يا صاحب المعجم".
وقد أوجب علي هذا الكتاب التنويه فيما حوى من ذكر وتحليل ومتابعة لثروة من ثروات العراق، وأجد أننا مثلما نتابع آثارنا ونجمعها من كل مكان، فإن علينا أن نجمع تراثنا اللغوي ونظهر منابعه وأصالته، فتفك عجمة الإستخدام مع أن لغتنا العربية، التي نعتز بها، قد إحتوت كل ذلك وزادت في كل ما عرفت به العربية مما يزيد على البيان والتعديد. وأرى أن على التوجهات الجديدة في العراق التي تسعى حرصا على تراثه وأبنائه، على تنوع أديانهم وقومياتهم، أن تكرم الباحثين من أبناء هذه المكونات الذين كانوا أمينين مخلصين فيما قدموا للعراق من جوانب التميز ومازالوا كذلك حتى في ميدان البحث وتدوين تراثهم الذي هو تراث عراقي أصيل يجب أن لا نغفل عنه.
زيكو-
عدد المساهمات : 18
تاريخ الميلاد : 25/03/1989
تاريخ التسجيل : 26/03/2010
الموقع : فنرتوب
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى